17 - 08 - 2024

تعا اشرب شاي| لم أشتر هذا العيد حلوى

تعا اشرب شاي| لم أشتر هذا العيد حلوى

إسمحوا لى ألا أحيى معكم الإحتفال هذا العام بذكرى المولد النبوي الشريف ، فقد إختلف المسلمون - كعادتهم - حول شرعية الإحتفال به .

ولكنى سأحتفل بذكريات أخرى - فى غير موعدها -، ليست لطيفة  للأسف، و ليس من المعتاد ان تُشتَرى فيها الحلوى بالطبع، بل يستحي أصحاب الضمائر السوية أن يتموا إحتساء "قهوتهم" حين يتذكروها .

الذكرى الأولى هى ذكرى الحرب العالمية الثانية، وفيها تم إلقاء القنابل الذرية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين، لأن اليابان رفضت أن تستسلم حينذاك لأمريكا وتخضع لها كليا وبدون شروط .

 لم تُبْق القنابل ولم تذر، ولم تفرق بين شيخ أو طفل ولا بين بيت أو معبد، قتلت مئات الآلاف وأحرقت وجرحت مئات آلاف آخرين و كانت السبب فى إصابة مئات الآلاف بالأمراض السرطانية ، ومازال اليابانيون يعانون من آثارها المدمرة حتى يومنا هذا، فقد أحدثت تغييرا فى الصفات الوراثية للشعب اليابانى ومن حوله من الشعوب.  

وأما الذكرى الثانية فما زلت أتذكرها وكأن أحداثها وقعت بالأمس، تابعتها وملايين غيرى من البشر عبر شاشات التلفاز، وقد عانيت للمرة الأولى وقتها من إرتفاع ضغط الدم الذى كاد يتجمد فى عروقى رعبا لمجرد المشاهدة، فما بالنا بمن تجرع مرارتها ورأى بشاعتها رأى العين فمات أو أُصيب أو حتى نجا!!

 رأينا الساحرة "بغداد" وهى تُدَك بلا رحمة، ببشرها وشجرها .. بأنهارها وأحجارها، لم يسلم أحد، دُمِرْت العراق بأكملها، لقد سرقوا ثرواتها وإستَحلٌوا نساءها و جعلوا أهلها شيعا وشردوا الآلاف منهم،  بعدوان غاشم وتحت دعاوى باطلة، ثم خرج علينا رئيس الوزراء البريطانى الذى إشترك فى الحرب عليها بعد نحو عشرة أعوام من بداية الدمار ليعتذر، فى حديث ذكرنى بحديث الفنان خفيف الظل "سليمان عيد" وهو يلقى قصيدته الشهيرة : 

موتى ، موتى ، موتى ...... مُتِّى ؟ أَنى آسف !!

المدهش حقا هو أن هؤلاء هم من يتهموننا بالإرهاب والأكثر إدهاشا هو أننا ندافع عن أنفسنا أمامهم ونحاول أن نبرر ونتبرأ من بعض آيات القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة لأجل نيل رضاهم ، ويخفى علينا أننا ما "هُنُا" إلا لأن ديننا قد "هان" علينا، وأن من لم يهاب الله ، أهابه الله من كل شئ.

أين هؤلاء من فتوحات المسلمين التى حين يطلقون عليها زورا وبهتانا ( إحتلال) نتوارى خجلا، و إن كان لنا أن نخجل حقا، فيجب نخجل من خجلنا هذا. 

الفتوحات الإسلامية كانت لها أسباب دعوية - ليست دنيوية -، ولها شروط فقهية لم يتخل عنها حينذاك ولاة المسلمين .

 أين هؤلاء - و بعضهم يعيش على أرض قد أبادوا سكانها الأصليين - من "العهدة العمرية" التى أعطى فيها الخليفة عمر بن الخطاب، أهل بيت المقدس أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم و صلبانهم، وأنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهْدَم ولا يُنقَص من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يُكرَهون على دينهم و لا يُضار أحد منهم....... الخ ؟

أين هم منه "رضى الله عنه وأرضاه" حين أنصف رجلا قبطيا من إبن والى مصر حينذاك القائد "عمرو بن العاص" وجعله يقتص لنفسه منه ويضربه بالسوط كما ضربه، ويقول له عبارته المشهورة: متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا !!! 

أين هم من الخليفة "عمر بن عبد العزيز" الذى عين قاضيا للنظر فى شكوى أهل "سمر قند" حين دخل قائد جيوش المسلمين "قتيبة بن مسلم" مدينتهم دون أن ينذرهم، فأعطاهم القاضى الحق -  رغم أنهم كانوا مغلوبين - وأمر بإخراج المسلمين من المدينة على أن ينابذونهم على سواء ، فما كان من أهل المدينة إلا أن رحبوا ببقاء المسلمين، بل وإعتنقوا الإسلام طواعية، بعد أن أذهلهم ذلك السلوك الذى لم يسبق له مثيل فى التاريخ البشرى .

إذا كانت تلك أخلاق من تتلمذوا على يد رسول الله وأصحابه، فكيف كان هو!!

نحن لنا الفخر أننا أتباع نبى الرحمة سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" الذى لا ينطق عن الهوى، و يكفى أننا نتبع دينا يحترم كافة الأنبياء والرسل ولا يفرق بين أحد منهم وينهانا عن النيل من أتباعهم ولو بشطر كلمة ولا نجادلهم إلا بالتى هى أحسن.

 نتبع ذلك النبى الأمين الذى أتم ما بدأوه، نتبع المنهج الكامل الذى لو لم يكن يصلح لأحوالنا الآن، لأرسل لنا الله نبيا آخر، كما فعل مع الأمم السابقة ، وما جعل رسولنا الكريم هو خاتم الأنبياء والمرسلين وما كان أنزل فى القرآن الكريم آية: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا" وهو سبحانه وتعالى الأعلم بما كان وما سيكون من أمرنا.

هذا هو ديننا وهذا هو نبينا، لو إتبعناه صدقا، ما تجرأ علينا الإرهابيون بحق، ولكننا مشغولون كعادتنا فى الجدال حول فقه المرأة و قضاء الحاجة و حكم الإحتفال بالمولد النبوى الشريف، ولعله بالفعل لم يعد مستساغا أن نقول لبعضنا البعض: كل عام وأنتم بخير، فللأسف الشديد نحن حقا ...... لسنا بخير .
-------------------
بقلم: أماني قاسم

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف